محاضرة للسيد رئيس جامعة القرويين

  • طباعة

president cop22

   تجسيدا للخطاب الملكي السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في قمة الرؤساء يوم الثلاثاء 15 نونبر 2016 بمراكش بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، ألقى الأستاذ الدكتور أمال جلال رئيس جامعة القرويين محاضرة بمقر رئاسة الجامعة يوم الثلاثاء 15 نونبر الجاري في موضوع:" الجانب الديني والأخلاقي في علاقة الإنسان بالبيئة والمناخ".

   حضر هذا اللقاء العلمي طلبة جامع القرويين للتعليم النهائي العتيق مصحوبين بأساتذتهم و المسؤولين الإداريين عن المؤسسة.

وفيما يلي مقتطفات من المحاضرة:

   " منذ أن خلق الله الإنسان وهو يسعى على تحقيق أسباب الرخاء وسبل التنمية بكل ما أوتي من قوة. وقد اعتمدت المجتمعات على مر العصور أساليب وتقنيات متعددة لضمان عيش كريم لأفرادها. وقد نتجت عن التقدم التكنولوجي آثار سلبية انطلاقا من القرن 19 بسبب الثورة الصناعية واتساع المدن مع استغلال فاحش للغابات والطاقات المعدنية والاستعمال المكثف للمواد الكيماوية، مما جعل عملية التنمية سلاحا ذا حدين يهدف إلى تحقيق رغد العيش للأفراد لكن مع تخريب تدريجي للبيئة المحيطة بالإنسان حتى صار الحديث عن أزمة البيئة إحدى المظاهر السيئة لأزمة قيم عميقة. وهذه الأزمة هي نتيجة مفهوم خاطئ للتنمية، مفهوم يرى في البيئة الطبيعية وفي قوانينها وفي تجانسها أداة يمكن للتقدم العلمي والتكنولوجي استغلالها إلى أبعد حد...."

   "إن الأرض التي نعيش عليها أضحت تعاني من الأنانية المفرطة للإنسان، فالله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض من أجل أن تكون خيراتها في خدمة الإنسان بدون إفراط أو تفريط حسب قواعد العدالة والتكافل والتضامن بين البشر نقطة انطلاق لتنمية تسعد أفراد المجتمع لكنها تقلص في نفس الوقت من الهوة بين الأغنياء والفقراء. فقد تجاوزت فكرة الإنتاج مع الأسف مجرد إشباع للحاجيات الطبيعية للإنسان، لتنقلب إلى سباق لتحطيم أرقام قياسية من قبل الماسكين بالمال والتكنولوجيا الذين استعملوا مجال الإنتاج من أجل نهب التراث المشترك للإنسانية بدون اكتراث، فعرضوا للخطر ما هو ضروري لحياة البشرية: الأرض والماء والهواء مما ألحق ضررا بالمناخ بشكل فادح. وبذلك تصبح حماية البيئة للإنسان أولوية لأنها حماية لحياته حتى لا يكون عيشه على هذه الأرض مضنيا ومتعبا ولا قدر الله مهددا بالانقراض..."

   وأشار الأستاذ المحاضر إلى أنه على البشرية أن تنتبه لمستقبلها الذي بات معرضا لمخاطر كثيرة من جراء بعض المظاهر المتكررة كالأعاصير القوية والأمطار الطوفانية المفضية إلى فيضانات كارثية والجفاف المتكرر المسهل لزحف التصحر على حساب الأراضي الزراعية وحرائق الغابات التي تذكيها رياح عاتية والغازات السامة التي تفرزها المعامل والمصانع ومراكز المحطات الحرارية التي تتسبب في معظم الأحيان في ارتفاع درجات الحرارة مما يترتب عنه ذوبان الثلوج  في مناطق جليدية من الكرة الأرضية، الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى مياه البحار وإلى تآكل شواطئها بسبب تغير أنماط المناخ والخلل الذي يتعرض له حتى أضحى تخفيض الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري وكذا الحد من أسباب التقلبات المناخية هدفا يتعين على كل الدول تحقيقه.

   وقد سلك المغرب نهجا مفيدا في استعمال الطاقات المتجددة النظيفة كحرارة الشمس وقوة الرياح وحركات أمواج البحر والمخزون المائي للسدود من أجل التقليل من انبعاث ثاني أكسيد الكاربون المترتب عن الاستعمال المفرط لكافة المحروقات..."

   وبعدما استدل المحاضر بآيات قرآنية كريمة وبأحاديث نبوية شريفة وبفقرات من الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى مؤتمر القمة العالمي حول التغيرات المناخية المنعقد بباريس في نهاية شهر نونبر 2015، أشار  إلى أنه من الخطإ الاعتقاد بأنه يصعب وضع علاقة ما بين المشاكل السلبية التي تفرزها التنمية والاتجاهات الأخلاقية والدينية باعتبار أن علم البيئة يرتبط بالميدان العلمي وأن الحلول التي يقترحها تبقى تقنية. فالإنسان في علاقته بالبيئة والمناخ يبقى عنصرا أساسيا للوسط الطبيعي ومن واجبه أن يتعامل مع المناخ بمسؤولية باستعماله للموارد المسخرة بكيفية رشيدة كمدبر واع بأهمية وقيمة هذا التراث الذي هو مطالب بحمايته وتفويته للأجيال اللاحقة بحيث لا يوجد انفصام بين الجنس البشري والمكونات الأخرى للبيئة. فالإنسان هو بمثابة وصي تاريخي لهذه الخيرات التي سخرها الله لنا في الأرض وكلفنا بأن نستعملها باعتدال بما فيه نفع للبشر بدون تبذير ليرثها الخلف عن السلف. وبذلك لا يستند الحفاظ على البيئة على أسس مادية فقط ولكن على مجموع قيم أخلاقية ودينية تربط المادة والحياة والإنسان بالخالق سبحانه وتعالى..."

   "فالله هو الذي كرم بني آدم وحمله أمانة الاستخلاف في الأرض، وهي أمانة تعني أن الإنسان، ما دام  ليس صانعا للكون، فعليه ألا يكون مخربا له. فهو إذن أداة في سنة التطورات والتحولات التي عرفها العالم منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض. فالإنسان والمناخ عنصران متكاملان شكلا على مر العصور لحمة متماسكة شبهها بعض العلماء بالعقد الطبيعي الذي يكون كل طرف فيه مدينا بالحياة للطرف الآخر لكي لا يكون مصيره الموت.

   فعلاقة الإنسان ببيئته وبالمناخ لا تظهر فقط في مدى ملاءمة تصرفاته مع القوانين والأنظمة التي أوجدها المجتمع في هذا الإطار، لكنها تتجلى أيضا في تعبير إرادي وواعي بإقرار نوع من الشراكة بين الإنسان والطبيعة بحيث تندرج هذه العلاقات في إطار أخلاقي وديني غير متأثر بعنصري الزمن والمكان لأن مسالة التوعية بالمحافظة على البيئة والمناخ ليست حكرا على جهة معينة وإنما هي مسؤولية الجميع كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ..."

imagecop22 2

   وفي خاتمة محاضرته، أشار رئيس جامعة القرويين إلى أن المحافظة على المناخ عنصر فعال في حماية البيئة والتنمية المستدامة، والتمس من الطلبة الحاضرين أن يهتموا في دراستهم الجامعية بكل ما له علاقة بحماية البيئة التي تُختزل في حرفين: ح ب مما يعطينا لفظة (حب) طالبا منهم أن يكون حب البيئة السليمة هو شعار الجميع، وألا نضيف حرف الراء وسط كلمة حب حتى لا تنقلب تقنيات التنمية  إلى حرب على البيئة لا قدَّر الله وحتى يعيش أطفالنا وحفدتنا والأجيال المتعاقبة في بيئة سليمة تستجيب لأنجع  متطلبات التنمية المستدامة".